بانوراما



مخرج الفيلم التونسي الألماني "تحت الجلد" يروي قصة جيل الثورة والزمن الصعب

19-03-2018 21:19:54

هكذا يرسم المخرج التونسي حمزة بالحاج بورتريه عن فيلمه الطويل"تحت الجلد" الذي يعالج قضية المخاضات الصعبة وحالة التمزق التي يعيشها جيل من الشباب التونسي في زمن صعب..زمن الثورة. الفيلم للمنتج الألماني رينيه بيدر..

وفي مقال للمخرج حمزة بالحاج ينشره على موقع Media MagDe يكتب المخرج التونسي عن قصة الفيلم ورحلة إنتاجه:

اخترت أن تكون تجربة الفيلم الطويل الأول منطلقة من الفضاء القريب لحياتي اليومية رغم أن السينما التوثيقية على عكس السينما التخييلية تسعى عادة إلى البحث في الآخر بشكل يبدو موضوعيا ومحايدا إلى أقصى الحدود، فتراها ترصد شخصيات تبتعد مكانا وزمانا عن المخرج ..

بيد أن هذا الفيلم باغتني باقتحامه لحياتي اليومية.. فهو يتعلق بأحداث تقع أمامي و تهم أشخاصا أشترك معهم في ذات الفضاء، الزماني والمكاني.. 

في هذا الفيلم وجدتني أتعامل مع كل الشخصيات بشكل متساو دون أن أرجح كفة واحدة منها لتكون الشخصية الرئيسية ..

يعود هذا الارتباك الى الزخم الدرامي الذي يحف بكل شخصية.. 

المراوحة بين الكتابة للسينما و توثيق الواقع هي التجربة الأهم في هذا الفيلم..فقد وجد المخرج نفسه في وضعية المهرج او لاعب الأكروبات الذي تداخلت الأحداث لديه حتى أفلتت من بين أصابعه الحكاية أو كادت فبعد أن كان يريد توثيق قصة الشقيقين الذين فرقتهما فكرة الهجرة وجد نفسه ينقاد دون سابق تخطيط منه إلى الاهتمام بقصة الوالدين الذين جمعتهما فكرة حرية المعتقد فالأب مسلم متدين والأم تحولت إلى اعتناق المسيحية.. والغريب في الأمر أن هذا التعايش بينهما يقع في الفيلم كما هو في الواقع بشكل انسيابي هادئ دون أدنى تصادم ...والأغرب منه أن هذا يحدث في مجتمع حديث العهد بالديمقراطية فمابالك يقبول الاختلاف ..

إنها دراما حية تعكس واقع المجتمع التونسي الذي تتقاذفه المتناقضات بين ضفتين..

بين ثورة أنجزها الشباب ثم تركوها بعد أن خذلتهم و اختاروا الهجرة و بين قبول الاختلاف و ممارسة حرية المعتقد.. في مجتمع ظاهره حداثي... وفي باطنه يثوي مجتمع محافظ إلى غاية التشدد.

معنى الوطن يتجزأ هنا بين الانتماء لأرض، او الانتماء لمشروع اجتماعي..

تحت الجلد ليس توثيقا بصريا انما هو كتابة داخل الواقع، هو بحث في شكل السرد و طريقة الحكي

السينما هي فن الطريقة و هذا الفيلم هو مختلف شكلا من حيث تناول الشخصيات الرئيسية في الخط السردي للفيلم..

هي حكاية عائلة تونسية من عامة الشعب تصور دون تكلف أو تصنع مدى الارتباك في اعادة تشكيل الرؤية والوعي بالذات لدى المجتمع التونسي بعد أحداث جانفي 2011

أحمد، رامي، منصورة، حبيب، كلها شخصيات تمثل شرائح من المجتمع التونسي الذي مازال يتساءل عن مفاهيم جديدة.. للحياة وللسعادة.

الصراع في الفيلم ليس صراعا دراميا انما هو صراع نفسي ينقله ايقاع الفيلم من خلال التأمل في العلاقات المعقدة بين الشخصيات المتقاربة و المتباعدة في ذات الوقت.

تحت الجلد هو ترسيخ لمبدأ الاختلاف الذي يخلق المجتمعات المتوازنة القادرة على خوض حوار حقيقي بين الحضارات،  

تحت الجلد هو طرح درامي لشخصيات واقعية تعيش الحلم الواحد رغم اختلاف الرؤية ..

و لعل الرهان السينمائي  والتحدي الجمالي الذي واجهني كمخرج و مؤلف لهذا الفيلم هو طريقة السرد narration و هذا ما جعلني اتورط للظهور في هذا الفيلم كشخصية "الراوي " و المعلق على الاحداث و هذا الاختيار لم يكن اعتباطيا بل كان اختيارا منطقيا و ادبيا littéraire  ..

استغرقت عملية كتابة هذا الفيلم سنتين بين 2013 و 2015 و قمت بمناقشة السيناريو باحد المهرجانات  الدولية للسينما الوثائقية بتونس سنة 2015  وقبل مناقشة السيناريو امام اللجنة قررت ان تكون  هذه المناقشة هي اول مشاهد الفيلم المصورة و من هناك جائت فكرة المخرج الراوي للاحداث.. 

انا المخرج و المؤلف وجدت نفسي عن وعي امام اسئلة تهم الشكل السردي للفيلم الوثائقي : 

هل يمكن ان يكون ارتباك الشخصيات و اهتزاز قراراتهم هو ايقاع الفيلم ؟ 

هل يتحمل سيناريو الفيلم الوثائقي  ان يجمع نقاط تحول درامية متعددة؟  

هل يمكن ان يكون الانفجار الاكبر في السيناريو هو الجزء الاخير من الحكاية؟  

هل نستطيع ان نروي أحداث واقعية بوجهة نظر سينمائية روائية Fiction  ؟ 

تجربتي مع هذا الفيلم كانت تمرينا كتابيا بامتياز.. و لكنها تظل تجربة انسانية منقوصة.. 

كانت محاولتي لسرد هذه القصة هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن مدى امتناني لهذه الشخصيات التي رافقت احلامي السينمائية منذ دراستي بمعهد السينما بتونس.. عائلتي كانت سندي الأول و لكنني لم أقدر كسينمائي أن أوفق بين الفني والانساني و لعل الانتهازية الفنية غلبت الهدف الانساني وهو تحقيق أهداف الشخصيات كما حصل في فيلم "Buena vista social club " ..

لم استطع كـ"انسان" أن أحقق هدف المخرج السينمائي الحقيقي وهو" صنع الاحلام " ..

 


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.