بانوراما



رؤية لتفعيل الاتحاد المغاربي - دراسة أعدت لمؤسسات تونسية وألمانية

22-05-2016 02:26:48

الدكتور عبد اللطيف الحناشي، استاذ الفكر السياسي المعاصر، بكلية الآداب، جامعة منوبة تونس..وهو مؤرخ تونسي وخبير اشتغل كثيرا على القضايا الاستراتيجية في المنطقة المغاربية واندماجها..وهو أيضا عضو الهيئة الاستشارية للمؤسسة المغاربية الألمانية للثقافة والإعلام 

Magde

ننشر للدكتور الحناشي، هذه الدراسة التي انجزت في اطار مركز الدراسات المتوسطية والدولية بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية

**** 

تعتبر فكرة تأسيس مغرب عربي موحد فكرة متجذرة لدى شعوب المنطقة ونخبها السياسية والفكرية والثقافية، عملت جميعها ومن مواقع مختلفةعلى نشرها وتكريسها في الواقع وذلك من خالل ممارستها السياسية والثقافية والفكرية طيلة الفترة الاستعمارية.

واتخذ هذا النشاط أبعادا سياسية نضالية أكثر وضوحا خاصة بعد تأسيس مكتب المغرب العربي في دمشق والقاهرة سنة 1947(.2 )وبعد استقالل كل من تونس والمغرب األقصى انعقد مؤتمر طنجة بتاريخ 28-30/4/1958 الذي بلورت فيه األحزاب الوطنية المغاربية أرضية لتوحيد المنطقة. (3)ورغم فشل تلك الصيغة في تحقيق الكثير من أهدافها غير أن هاجس إقامة مغرب عربي موحد استمر كأحد ثوابت األحزاب والتنظيمات السياسية واالجتماعية في المغرب العربي.(4)فاستمرت محاوالت توحيد المنطقة متخذة أشكاال تتماشى مع الواقع الجديد لدول وحكومات المغرب العربي وكان الإعلان عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17/2/1989 بمدينة مراكش تحقيقا لحلم ناضلت من اجل تحقيقه أجيال متعاقبة من شعوب المغرب العربي ورحبت به جميع الأطراف الإقليمية. فما هي سياقات تأسيس اتحاد المغرب العربي ؟ وما هي ابرز أهدافه وهياكله ؟ وما هي أسباب جمود الاتحاد ومختلف تداعيات ذلك الجمود وما هي محفزات تفعيل مؤسساته؟

أولا: اتحاد المغرب العربي: السياقات والأهداف والهياكل

1. سياقات التأسيس:

 كان تأسيس الاتحاد تفاعال واستجابة مع التطورات 5)) وقناعة الجميع،على ما التي عرفها النظام العالمي يبدو، بان السياسة المحورية في المنطقة ال يمكن أن تكون آلية صالحة لمواجهة التحديات االجتماعية واالقتصادية والسياسية واإلستراتيجية للمنطقة في (6) أفق القرن الواحد والعشرين. فبعد توتر شديد في العالقات الجزائرية المغربية ّ شرع البلدان في التقارب بينهما وتوج ذلك بقمة العقيد لطفي (بلدة على الحدود المغربية) التي جمعت الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد بالعاهل المغربي الحسن الثاني وذلك يوم 26 فبراير/شباط 1983 .

وبتاريخ 19 مارس/آذار وقعت الجزائر "معاهدة الإخاء والوفاق" مع تونس والتي انضمت إليها موريتانيا في 13 ديسمبر/كانون األول 1983 .ورغم تأكيد البلدين على رغبتهما في أن تمثل هذه المعاهدة ركيزة لبناء المغرب العربي الكبير الكبير فإن المغرب وليبيا اعتبرا المعاهدة حلفا ضدهما ومحاولة جزائرية لعزلهما إقليميا. وكان ردهما إمضاء اتفاق في وجدة )مدينة مغربية على الحدود مع الجزائر( يوم 13 أغسطس/آب 1984 أطلق عليه "اتحاد الدول العربي الإفريقي".

 ومثلت مشاركة المرحوم الحسن الثاني ملك المغرب في القمة العربية، التي عقدت بالجزائر في يونيو/حزيران 1988 ،فرصة "نادرة"، فتحت المجال لمرحلة جديدة في العالقات المغاربية، توجت أوال بقمة زرالدة في يونيو 1988 التي حضرها الرؤساء الأربعة والملك المغربي التي مهدت إلنشاء اتحاد مغاربي والإتفاق على إنشاء خمس لجان، الا أن أحداث أكتوبر/تشرين األول 1988(7 )تسببت في إرجاء القمة المغاربية التي كانت مقررة خلال نفس العام.

وانتهت المجهودات باجتماع قادة دول المغرب العربي الخمس في مراكش يوم 17 فبراير/شباط 1989 الذين أعلنوا عن إنشاء "اتحاد المغرب العربي".

2.الأهداف العامة:

 ترجع أسباب نشأة االتحاد إلى عوامل داخلية وإقليمية وأخرى دولية ذات طبيعة اقتصادية وسياسية ولتحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل أساسا في: (8)

  • فتح الحدود بين الدول الخمس، من أجل منح حرية التنقل الكاملة لألفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل األشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال في ما بينها

. • تمتين أواصر األخوة التي تربط الدول األعضاء وشعوبها بعضها ببعض. • تحقيق تقدم ورفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها.

. • المساهمة في صيانة السالم القائم على العدل والإنصاف.

. • نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.

. • تعميق التعاون االقتصادي والتجاري وتنمية المبادالت بين الدول المغاربية.

. • الإهتمام بالتصنيع عن طريق تنسيق السياسة التصنيعية.

. • توحيد السياسة الجمركية وطرق التفاوض مع الأاتحاد الأوروبي.

. • تنمية التعليم والحفاظ على القيم الروحية وصيانة الهوية والقومية العربية.(9). وتهدف هذه السياسة المشتركة إلى تحقيق الأغراض التالية.

 : • في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول األعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.

. • في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.

. • في الميدان الإقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية واالجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.

. •في الميدان الثقافي : إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته، وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية المستمدة من تعاليم الإسلام السمحة، وصيانة الهوية القومية العربية، واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، كتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء...

ورغم أهمية ما احتوته معاهدة مراكش من تفاصيل ذات عالقة بمستقبل الاتحاد وشعوبه غير أنها تضمنت عبارات عامة حول التعاون الإقتصادي والسياسة المشتركة من ذلك مثال عدم الإشارة إلى الوحدة الجمركية أو الإقتصادية وخلطها بين المعطى الحضاري والجعرافي من خلال عدم تحديد مفهوم دقيق لمفهوم المغرب العربي ولحدوده وخصوصيته الجغرافية، كما تركت الباب مفتوحا لانضمام دول أخرى غير عربية أو عربية التي تنتمي للمجال الجغرافي للمغرب العربي الأمر الذي يشير إلى طغيان الهاجس السياسي على التكامل الإقتصادي(10).

 

3.هياكل الاتحاد:

 تضم هياكل الاتحاد عدة مؤسسات.

  • مجلس للرئاسة:

يتألف من رؤساء الدول الأعضاء، وهو أعلى جهاز في التاحاد. وتعقد رئاسة المجلس دورات استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك وله وحده سلطة اتخاذ القرار، اما قراراته فتصدر بإجماع أعضائه.

. • مجلس وزراء الخارجية:

 يتألف من المكلفين بالشؤون الخارجية في بلدان االتحاد، ويتولى التحضير لدورات مجلس الرئاسة، والنظر في اقتراحات لجنة المتابعة واللجان الوزارية المتخصصة، ورفع التوصيات بشأنها إلى مجلس الرئاسة، وتنسيق السياسات والمواقف في المنظمات الإقليمية والدولية، ودراسة جميع القضايا التي يكلفه بها مجلس الرئاسة. ويعقد مجلس وزراء الخارجية دورات عادية، كما بإمكانه أن يعقد دورات استثنائية بدعوة من الرئاسة أو بناء على طلب أحد أعضائه والا يكون الاجتماع قانونيا الا بحضور جميع الأعضاء. وبالاضافة إلى مجلسي الرئاسة ووزراء الخارجية، توجد لجنة للمتابعة، تتألف من الأعضاء الذين تم تعيين كل واحد منهم في مجلس وزراء دولته لمتابعة شؤون الاتحاد.

وتقوم لجنة المتابعة بمتابعة قضايا االتحاد بصفة تكاملية مع باقي هيئات االتحاد وتعمل بالتنسيق مع باقي الهيئات والسيما مع األمانة العامة واللجان الوزارية المتخصصة تفاديا لالزدواجية. وتعتبر لجنة المتابعة هيئة لتطبيق قرارات االتحاد وجهازا لتنشيط العمل الوحدوي. وتعقد لجنة المتابعة لقاءات دورية مع األمانة العامة لتقييم التقدم الحاصل وتحديد العوائق واقتراح الحلول المناسبة. ومن هياكل االتحاد أيضا لجان فرعية نذكر منها : لجنة الأمن الغذائي، ولجنة االقتصاد والمالية، وثالثة للبنية األساسية، وأخرى للموارد البشرية. كما أقر االتحاد المغاربي مؤسسات أخرى ذات طبيعة قضائية وتعليمية ومالية نذكر منها: مجلس الشورى(11) ومحكمة "الهيئة القضائية"(12) والجامعة المغاربية (13) والمصرف المغاربي للإستثمار والتجارة الخارجية(14).

ثانيا: جمود مؤسسات الإتحاد:

 1.من مظاهر الجمود:

 أ - جمود المؤسسات وعدم تفعيل الاتفاقيات تزامن شلل مؤسسات الاتحاد بالأزمة المغربية الجزائرية في عام 1994/1995 وبرفض ليبيا (في يناير/كانون الثاني 1995 )تسلم رئاسة الاتحاد احتجاجاً على تقيد الدول المغاربية بالحظر الدولي المفروض عليها، فعادت رئاسته إلى الجزائر. وتصاعد الأمر بعد ان جمد المغرب رسميا عضويته احتجاجا على ما اسماه بالسياسة الجزائرية المناوئة لمصالحه (الصحراء الغربية).

ورغم التشريعات والاتفاقيات التي ضبطت تفاصيل الاندماج والاتحاد غير أنها لم تفعّل من ذلك مجلس الرئاسة المغاربية الذي من المفروض ان ينعقد في دورات عادية مرة كل سنة بالاضافة إلى دورات غير عادية إن اقتضت الضرورة غير ان الواقع كان غير ذلك اذ عقدت منذ القمة التأسيسية )مراكش 1989 )ست دورات على مستوى الرئاسة كانت األولى في تونس ثم الجزائر ورأس النوف في ليبيا فالدار البيضاء فنواكشوط، وأخيرا تونس في أبريل/ نيسان 1994 أما الدورة السابعة التي من المفروض عقدها في الجزائر فلم يكتب لها الانعقاد لحد الآن ...

كما لم يتم تجسيد الخطة "الاستراتيجية الكبرى للتنمية المغاربية المشتركة"، التي أقرت في قمة "رأس النوف" الليبية 1991 التي تمثلت في مجموعة من الأهداف، بسقف زمني محدد، كضمان حرية تنقل األشخاص والسلع ورؤوس الأموال، ووضع خطط لتعزيز التبادل التجاري بين أعضاء الاتحاد، وكذا العمل سويا على نهج سياسة اقتصادية مشتركة(15) في حين انصرفت الدول المغاربيةإلى إبرام اتفاقات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي ومع العالم العربي في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واتفاق أغادير الذي يضم الأردن ومصر إلى جانب المغرب وتونس(16).

 ب - ضعف المبادلات التجارية بين دول المغرب العرب:

 حصر تقرير اللجنة الإقتصادية الإفريقية التابعة للأمم المتحدة، حجم المبادالت التجارية بين البلدان المغاربية خلال 2015 بــ8,4 في المائة من مجموع المبادالت التجارية لهذه البلدان بقيمة مالية لا تتجاوز الملياري دولار وهي نسبة تقل بكثير عن المعدل المسجل على مستوى البلدان اإلفريقية والبالغ 12 في المائة.

كما وصف التقرير ذاته السوق المغاربية بكونها األقل دينامية في العالم رغم توفرها على األساسيات، في الوقت الذي تبلغ فيه التجارة الخارجية البينية في دول جنوب شرق آسيا مثال 21 في المائة، ودول أمريكا الجنوبية 8,14 في المائة، تصل المبادالت بين بلدان االتحاد األوروبي حوالي 66 في المائة من الحجم اإلجمالي للمبادالت التجارية لبلدان المنطقة.(17).

ج - ضعف البنية الأساسية:

 يعرف الفضاء المغاربي تفاوتا على مستوى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالموانئ أو السكك الحديدية، التي تعتبر نقطة ضعف بالمنطقة، اذ تتم 99 في المائة من المبادالت التجارية المغاربية عبر الطرق البرية كما ان إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر يجعل من تشغيل شبكة السكك الحديدية المغاربية أمرا صعب التحقيق في الظروف الحالية(18).

2. أسباب الجمود:

تبدو أسباب تعطيل تفعيل مؤسسات االتحاد وقراراته مركبة وعديدة نذكر منها:

  • غلبة الهاجس السياسي على الهاجس الإقتصادي، حيث أن اتحاد المغرب العربي إنبنى على أساس سياسي(19).

 • الخالفات الجزائرية المغربية والمتمثلة باألساس في مشكلة . )20) الصحراء الموروثة عن التقسيم االستعماري للمنطقة • فقدان الإرادة السياسية عند الزعماء المغاربة، وغياب الثقة بينهم وارتفاع منسوب نرجسيتهم والخوف من فقدانمصالحهم وزعامتهم القطرية بفاعلية الاتحاد(21).

 • عدم فاعلية ونجاعة "المؤسسات الديمقراطية"الكائنة.

. • استشراء الفساد في القطاعات الإدارية والإقتصادية والمالية(22)في القطاعين الخاص والعام وغياب الشفافية.

 • العامل الخارجي بين التعطيل والتفعيل الاتحاد المغاربي:

تفضل بعض الدول الأوروبية التعاطي الثنائي في مفاوضاتها الإقتصادية والأمنية مع دول المغرب العربي باعتبار أنها لا تعتبره فضاء اقتصادياً موحدا لذلك أبرمت اتفاقات شراكة ثنائية على انفراد (مع تونس والمغرب والجزائر) في إطار الشراكة الأوروبية المتوسطية كما توجد بعض الدول ّ المنتمية للاتحاد الأوروبي التي ليس من صالحها أن يفعل هذا الاتحاد لأسباب اقتصادية وتاريخية وثقافية في حين تشجع دول أوروبية أخرى وتدعم هذا الهيكل وتعمل على إنعاشه(23).

أما الولايات المتحدة فاقترحت منذ سنة 1997 على الدول المغاربية الثالث تونس والجزائر والمغرب وأدمجت في ما بعد موريتانا، في حين استبعدت ليبيا لحدة الخلافات بينها ونظام القذافي، مشروع شراكة أميركية مغاربية أو ما عرف بـ »مبادرة أيزنشتات« (نسبة إلى مساعد وزير الخزينة ستيوارت أيزنشتات) أي إقامة شراكة اقتصادية بين الولايات المتحدة وبلدان المغرب العربي، الشراكة مشروعاً اقتصادياً فقط، وإنما ارتكزت على تشاور وتنسيق سياسيين دائمين على نحو شبيه بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، حيث يلتزم البعد االقتصادي مع البعد السياسي وذهب المسؤول الأميركي إيزنشتات إلى القول ”نحن نأمل أن نشجع اتحاد المغرب العربي وغيره من هيئات التكامل اإلقليمي على إزالة الحواجز بينها لأنها تحول دون ازدهار التجارة بصورة كاملة"(24).

التداعيات:

يفقد التأخير في تفعيل مؤسسات وقرارات واتفاقيات الاتحاد المغرب العربي البلدان المغاربية سنويا ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو، وهو ما يمثل لتونس تقريبا خسارة تقدر بـ 50 ألف موطن شغل مباشر كل سنة هذا باإلضافة إلى اآلالف من مواطن الشغل غير المباشرة المهدورة. كما بينت بعض الدراسات الاقتصادية أن"اللاّ مغرب عربي" قد كلف بلدان المنطقة خسارة حجمها بنحو 6.1 مليار دولار."(25).

كما أن إصرار البلدان المغاربية على االعتماد على نفسها بشكل فردي يجعلها عرضة للصدمات الإقتصادية، ويضعها في موقع ضعيف خلال مفاوضاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي بسبب افتقادها إلى مقومات المنافسة الخارجية. أما اندماج التجارة البينية فمن شأنها أن تحل بعض مشاكل المنطقة المغاربية كما تقول كرسيتين لاكارد رئيسة صندوق النقد الدولي.(26).

ويمثل سعي الدول المغاربية نحو المزيد من التسليح أحد عوامل التوتر ومظاهره وتمثل كل من المغرب والجزائر دولتان مصنفتان من بين أهم الدول الافريقية المستوردة للسلاح )نحو 56 %منمجموع واردات الدول اإلفريقية اذ خصصت الجزائر 20 ملياردولار من ميزانية 2015 لشراء السلحة بينما خصص المغرب 10مليار دولار للسنة نفسها( وذلك بسبب توجسهما بشان الحدود وقضية الصحراء.

وكان من المفروض أن تذهب تلك الأموال لقضايا التنمية المستدامة والمساهمة في تقليص مشكلة البطالة ومواجهة خطر الإرهاب...

ولاشك ان حرمان مئات الآلاف من شباب الدول المغاربية العاطلين عن العمل هو بعالقة مباشرة وغير مباشرة بعدم تجسيم قرارات تحرير تنقل رؤوس األموال والسلع والمسافرين في كل الاتجاهات في الدول الخمس. كما ان عدم اطلاق سوق مغاربية موحدة بها نحو 100 مليون مستهلك ينعكس ذلك بالضرورة سلبا على كل فرص الانتاج والاستثمار والتشغيل. ومنع المنطقة المغاربية من لعب دور الفاعل الاستراتيجي الإقليمي والدولي، بما يتماشى مع موقعها الجغرافي المميز. كما حرم ذلك ملايين المهاجرين المغاربة في أوروبا والخليج وأمريكا، ويدفع باتجاه توظيف مدخراتهم ومن لعب دور اقتصادي والمساهمة في تنمية المغرب الموحد(28).

ثالثا: تفعيل الاتحاد المغاربي:(29)

1. المحاولات السابقة:

 إذا أردنا أن نبتعد قليلا عن التشاؤم والاقتراب ولو قليلا من روح التفاؤل فيمكن القول أن ما تحقق خلال 27 سنة الأخيرة بالنسبة إلى بناء مشروع المغرب العربي، من حيث التشريعات و مؤسسات العمل المشترك في المنطقة المغاربية لم تكن دوما سلبية، باعتبار أنها أسفرت عن تطوير العلاقات البينية في حدها الأدنى بين الدول المغاربية (كلا على انفراد). ولمزيد تدعيم هذا التفاؤل يمكن أن نقتنع بأن ما أنجز على مستوى التشريع والتنظيم وإقامة بعض المؤسسات والهيئات بالاضافة إلى الندوات واجتماع لجان لمختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والطبية وما تمخض عنها من اتفاقيات نذكر منها الاتفاق حول منطقة التبادل الحر منذ سنة 1992 ومجموعة جمركية منذ سنة 1995 وإنشاء شركة طيران موحدة(30) ومشروع بنك الاستثمار المغاربي(31).

. 2العوامل المحفزة على التفعيل:

تبدو العوامل المحفزة والموجبة لتفعيل الاتحاد المغاربي والتعجيل بتحقيق التعاون والتنسيق بين أعضائه متعددة فبالاضافة الى العوامل الثابتة التي تتمثل في المقومات البشرية والطبيعية والثقافية واالجتماعية والتاريخية، والتباين والتنوع في الامكانيا والقدرات(32)يمثل الموقع الاستراتيجي المهم، لدول المغرب والتحديات الاقتصادية والأمنية والبيئية والاجتماعية تمثل جميعها حوافز مؤكدة تدفع، باسم المصلحة والنفعية السياسية، باتجاه التعاون والتنسيق بين دول المغرب العربي.
 كما ان التحديات الاجتماعية المتعددة (ارتفاع معدالت الفقر، والبطالة..) التي تعيشها دول المغرب العربي، عوامل تفرض بحدة التعجيل باستثمار مختلف الامكانيات والمقومات الاقتصادية والشبرية المتاحة لتفعيل وتطوير آليات الاتحاد(33).

التحديات الإقتصادية: ويقدر خبراء البنك الدولي، أنه بإمكان كل دولة مغاربية أن ترفع نسبة نموها بـ 2 في المائة في حال تحقيق اتحاد اقتصادي، بالاضافة إلى توفير فرص شغل إضافية وتحسين مناخ الاستثمار. (34)

 لذلك يبدو ما يرتد إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين »الاندماج ضرورة حتمية اليوم، لأن البلدان المغاربية يمكنها بتفعيل اندماج فعلي أن تربح مجتمعة ما بين 3 و9 مليارات دولار سنويا«

. التحديات الأمنية: يمثل تزايد المخاطر الإرهابية في المنطقة وجوارها (منطقة الساحل والصحراء)، وذلك منذ ظهور تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وانعكاسات أزمة الأمن في منطقة الساحل على بلدان المغربي العربي بدرجات متفاوتة بالاضافة الى حركة الهجرة السرية نحو اوروبا عبر الدول المغاربية وتوسع نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وتزايد أعداد اللاجئين في المنطقة عوامل محفزة تفرض مزيداً من التنسيق والتعاون بين الدول المغاربية مجتمعة الأمنية منها والاقتصادية، "أسوة بالاتحاد الأوروبي الذي انطلق انطلاقة سليمة ومتدرجة تنبهت إلى أهمية المكون الإقتصادي كأساس لبناء إطار إقليمي قوي(35).

3. الوسائل الممكنة للتفعيل(التوصيات):

لا شك ان شعوب المغرب بحاجة لتفعيل المؤسسات المختلفة التي تولدت عن اتفاقية مراكش بل ان الأمر أصبح ضروريا وحيويا حتى بالنسبة الى الانظمة السياسية المغاربية والمتوسطية، غير ان ذلك يتطلب اعتماد سياسات ووسائل مختلفة من ذلك تعميق النظام الديمقراطي ومبادئ العدالة االجتماعية وإعادة النظر في الكثير من النصوص القانونية المنشئة للاتحاد وإعطاءها دفعا جديدا يجعلها تتماشى والمستجدات الوطنية والاقليمية والدولية، مع ضرورة أن تّسرع الدول المغاربية وتيرة الاندماج الاقليمي بينها، وتنسيق سياسياتها المالية والاقتصادية والتشريعية، وفتح الحدود أمام الشركات الدولية وتنقل رؤوس الأموال والسلع واعتماد الشفافية والحكامة الرشيدة وتبسيط الاجرءات لاجتذاب المزيد من الاستثمارات الدولية وتخفيض نفقات التسلح والاستفادة من التوجه الدولي الداعم للاندماج المغاربي.

كما يمكن لمنظمات المجتمع المدني(بما في ذلك اتحادات ارباب العمل واتحاد العمال والشباب والطلبة...) ان تبادر كل من موقع اختصاصها بتوحيد جهودها بتحويل نشاطها على المستوى المغاربي (شكلا ومضمونا) وان تهتم بتفعيل علاقات التعاون في ما بينها والى إقامة شراكات دعم التعاون والتشبيك في ما بينها وأن تضغط باتجاه ان "يتحول«" هذا الاندماج أمرا واقعا على الحكومات المغاربية.

ولوسائل الإعلام المختلفة في الأقطار المغاربية دور أساسي في تفعيل مؤسسات الاتحاد من خالل مضاعفة اهتمامها بأهمية الاندماج المغاربي ودوره في تقليص المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والعمل باتجاه بلورة رأى عام مغاربي يفرض على الحكام مسألة تجسيم الاندماج المغاربي على أرض الواقع.

خاتمة:

تدفع شعوب منطقة المغرب العربي ثمنا باهظا نتيجة عدم تفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي، خاصة وان جميع المعطيات الجغرافية التاريخية الحضارية والثقافية والسياسية والتحديات الداخلية والخارجية، تشكل حوافز مؤكدة لتجسيد ضرورة تفاعل الأنظمة بمنطق المصالح وليس العاطفة وتصفية حسابات الماضي ولنا في الاتحاد الأوروبي مثال على ذلك. فرغم الحروب الطويلة والمدمرة بين دول القارة غير انها في األخير تجاوزت كل الماضي بشقه الكئيب.. وتنازلت على جزء من رموز سيادتها(العملة..والعلم والحدود..(. ولا شك ان التحولات التي عرفتها المنطقة بشكلها الصارخ والعنيف او الهادئ والناعم تدفع المؤسسات الديمقراطية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لمزيد من إعمال الخيال وتقديم المبادرات والاقتراحات في ما بينها والضغط السلمي على الأنظمة من اجل تفعيل الاتحاد المغاربي وحتى يتحول مطلب تفعيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي الى قضية رأي عام ومطلب حيوي مصيري بل وجودي لمستقبل شعوب المنطقة.

 

 د. عبد اللطيف الحناشي أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن بجامعة منوبة. تونس.

**هوامش الدراسة يمكن الاطلاع عليها في الرابط التالي:

http://www.cemi-tunis.org/pages/publications/-.html#61eM2RLjUQxD6M10.01

 

المصدر: مركز الدراسات المتوسطية والدولية 

بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية

 


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.