حرية المعلومات في ألمانيا - حرية راسخة وتغييرات في قواعد اللعبة
31-05-2016 12:47:10
شارك رئيس المؤسسة المغاربية الألمانية للثقافة والإعلام، منصف السليمي، في ورشة إقليمية نظمتها منظمتا الألكسو والايسيسكو في تونس حول التحديات التشريعية للنفاذ إلى المعلومات وتداولها في دول المغرب العربي. وهنا أبرز ما جاء في مداخلته والتي تركزت حول التجربة الألمانية في مجال حرية المعلومات وحماية البيانات.
الوصول إلى المعلومات من المصادر المناسبة يشكل أحد أركان عمل الصحفي، ويجد مرجعيته في قواعد حرية الصحافة. بيد أن أهمية إشكالية الوصول إلى مصادر المعلومات ترتبط أكثر بالصحافة الاستقصائية.
وفي ألمانيا تعتبر دير شبيغل مدرسة في الصحافة الاستقصائية..ورغم خطها المستقل وجرأتها المهنية والاستقصائية وسمعتها كمصدر موثوق في التحقيقات التي تنشرها، تحافظ المجلة على موقع صدارة ومصداقية. اذ يوزع من المجلة أسبوعيا حوالي مليون نسخة ورقية، وهي مقروؤة في 150 بلدا. وتتصدر صفحتها الإلكترونية، Spiegel Online، المواقع الجادة في ألمانيا وأوروبا، ويقترب عدد قرائها من 10 ملايين مستخدم.
نشأت المجلة أيام الحرب العالمية، وعاشت عام 1962 واحدة من أقوى التحديات في مسيرتها المهنية وتاريخ حرية الصحافة بألمانيا الحديثة، وتعرف ب "قضية شبيغل". ففي خريف عام 1962 نشرت مجلة "دير شبيغل" مقالا نقديا لسياسة تسلح الحكومة في ذلك الوقت، وتمت متابعة عدد من الصحفيين بتهمة الخيانة، وألقي القبض على بعضهم. وقضى رودولف أوغشتاين Rodolf Auguststein
ناشر المجلة ومؤسسها في السجن 103 يوما. وفيما كانت حكومة المستشار الأسبق كونراد أديناور تدافع عن تعامل القضاء الألماني مع "قضية شبيغل"، شهدت العديد من المناطق الألمانية حينها احتجاجات ومظاهرات منددة بالأحكام. وتمت إقالة اثنين من وزراء الدولة في حكومته، بينما اضطر وزير الدفاع فرانز جوزيف شتراوس للاستقالة، كما تم بعد ذلك تعزيز حرية الصحافة في ألمانيا.
ويحيلنا البعد التاريخي والتراكمي في تجربة الصحافة الألمانية في تكريس قواعد حرية الصحافة وممارستها في مجال النفاذ إلى المعلومات ومصادرها، إلى رصد عناصر أساسية ومحددة في هذه المسألة:
أولها: الأسس والمرجعية القانونية.
ثانيا: المنظومة المؤسساتية على المستويات الحكومية والمهنية الصحفية وهيئات المجتمع المدني.
ثالثا: القضاء.
رابعا: ظهور فاعلين جدد يغيرون بعض قواعد اللعبة.
أولا: الأسس والمرجعية القانونية:
حرية الصحافة تستمد مرجعيتها في الدستور الألماني، من الفصل الخامس- الفقرة الثانية .
شمولية مفهوم الصحافة على مختلف أصناف الإعلام( السمعي، البصري، المكتوب، الإلكتروني)، الجذع المشترك هو ان يكون الشخص عمله الأساسي هو العمل الصحفي، بدءا من العمل الاخباري وصولا إلى النشر الإعلامي و الإشهار.
مرجعية الحق في المعلومة/ الصحافة:
تراتبية القوانين التي يخضع لها الاعلام:
الدستور.
قوانين إتحادية للبيانات وحرية المعلومات.
قوانين الاعلام في الولايات، وتخضع لها السلطات كما يخضع لها العاملون في الصحافة والاعلام.
تطبق عليها ايضا القوانين المدنية والجنائية، والاجرءات(المسطرة) الجنائية.
وتتفرع إلى قاعدتين:
حق المواطنين على السلطات بإخبارهم.
واجب الصحفي بالإخبار.
قانون -الولايات- في مجال حرية المعلومات:
IFG: "Informationsfreiheitsgesetz vom 5. September 2005 (BGBl. I S. 2722), das durch Artikel 2 Absatz 6 des Gesetzes vom 7. August 2013 (BGBl. I S. 3154) geändert worden ist"
Stand: Geändert durch Art. 2 Abs. 6 G v. 7.8.2013 I 3154
هو تنزيل لمقتضيات الفصل الخامس من الدستور لتكريس حرية الصحافة، وذلك عبر مقتضيات تنظيمة وإدارية تلزم الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بتوفير الآليات الضرورية لتمكين المؤسسات والشخصيات العامة والخاصة ووسائل الإعلام من الوصول إلى المعلومات وتداولها بحرية.
وبمقتضى هذا القانون تستثنى بعض الحالات من الإدلاء بالمعلومات لطالبيها، وينص عليها القانون بالاستثناءات الخاصة (10) ببعض المصالح العامة الإستثنائية:
إحداث ضرر على العلاقات الخارجية.
على وضع القوات المسلحة.
الأمن الداخلي.
التأثير على سير مراقبة ومهام المالية والمؤسسات الرقابية.
وضعية الرقابة المالية الخارجية.
الحماية من معاملات تجارية خارجية غير مصرح بها.
التأثير على سير قضية أمام القضاء أو اجراءات تحقيق..
اذا كان استخدام تلك المعلومات ونشرها يضر بالأمن العام.
سرية مفاوضات خارجية ودولية.
التأثير على النظام العام.
ويلاحظ أنها تتشابه مع لائحة الاستثناءات الواردة في القانون التونسي الجديد. لكن القانون الألماني يضع آليات اتحادية ولامركزية لتفعيل مقتضيات الدستور ومبادئ حرية الصحافة والحق في المعلومات، ويشدد كثيرا على إلزام المؤسسات الحكومية بتمكين الرأي العام والأشخاص المعنويين والخواص من الوصول إلى المعلومات. كما يضع القانون قواعد لحماية مسلسل اتخاذ القرار. ولحماية البيانات الشخصية، وحماية الملكية الفكرية والمصالح والأسرار التجارية.
ثانيا: المنظومة المؤسساتية:
تتألف هذه المنظومة من وآليات ومؤسسات الدولة وقواعد عمل هيئات منبثقة من المهنة نفسها.
المفوض الاتحادي المسؤول عن حماية البيانات وحرية المعلومات/ الإعلام:
يلزم قانون حرية المعلومات السلطات العمومية بتكليف مفوض خاص بتنفيذ حرية المعلومات، وذلك على المستوى الاتحادي والولايات. ويتلقى مفوض حرية المعلومات التظلمات والشكاوى الخاصة بخرق قواعد حرية الإعلام.
وتمارس وظيفة مفوض لحرية المعلومات، بارتباط بالمفوض الإتحادي لحماية البيانات، ولهذا الأخير سلطة إشراف. وتسري أحكام قانون حماية البيانات على مهمة مفوض حرية المعلومات.
ويعتبر المفوض الاتحادي لحماية البيانات وحرية المعلومات هيئة مستقلة عن الحكومة ويتم اختياره بالانتخاب في البوندستاغ، وهي وظيفة حديثة تم اعتمادها بناء على المقتضيات الجديدة للوائح وقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بحماية البيانات وحرية المعلومات في الدول الأعضاء.
ويضطلع المفوض الإتحادي بمهمة مراقبة مدى احترام المؤسسات والأفراد لقانون حماية البيانات الألماني BDSG وقانون حرية المعلومات IFG.
آلية تقييم تطبيق القانون:
ينص القانون على إلزام الحكومة بتقديم تقرير كل سنتين عن سير تطبيق قواعد حرية الإعلام والتجاوزات، وذلك للبوندستاغ قبل نشره. ويخضع هذا الأخير التقرير وذلك خلال عام لتقييم خبراء بصفة علمية، قبل الترخيص بنشره.
المجالس السمعية البصرية:
يخضع عمل المجال السمعي البصري إلى مجالس سمعية بصرية في كل مؤسسة، وهي تستند إلى نظام المجالس يحدد القواعد والأسس التي يلتزم بها العمل الاعلامي السمعي البصري. ونظيرها في النظام الفرنسي المجلس السمعي البصري، لكن في ألمانيا توجد مجالس لامركزية.
حيث تخضع محطات الإذاعة والتلفزة العامة في ألمانيا إشراف من مجالس متخصصة وظيفتها الحيلولة دون حدوث ما شهدته البلاد خلال حقبة النازية من استخدام وسائل الإعلام للترويج لأهداف النظام الحاكم.
وتتركز مهمة أعضاء مجالس الإشراف في هذه الحالة على التأكد من حرية بث المعلومات والتنوع في الآراء داخل هذه المحطات من خلال أعضاء هذه المجالس والذين يجب أن يمثلوا كافة فئات/طوائف الشعب باعتبار أن هذه الوسائل تمول من أموال الشعب/ الضرائب ومجالس الإشراف تعتبر ممثلة للشعب، وليس للحكومة التي ليس لديها سلطة عليها.
قواعد ومدونة مهنة الصحافة:
في ألمانيا، يميز مجالها الإعلامي ما يعرف بـ:
Pressekodex
أي مدونة السلوك لعمل الصحفي، وتتألف من القواعد والأخلاقيات لمهنة الصحفي، وهي لا ترتقي إلى درجة قانون، ولا تكتسي الزامية القاعدة القانونية، بل هي عبارة عن قواعد وأخلاقيات وتوجيهات لممارسي مهنة الصحافة. وهي في الأساس لا يمكن أن تكون متعارضة مع قوانين الصحافة، بل مكملة لها.
وتستند حرية الصحافة إلى الفصل الخامس من الدستور، الذي ينص: حق كل شخص في حرية التعبير، بالكلمة والكتابة والصورة، وفي حق الوصول إلى المعلومات التي تمكنه من ذلك.
وتعني حرية الصحافة، حرية الصحفي في تقديم قصته الإخبارية بدون قيود، عبر وسائل الإعلام المختلفة. ويحظر الرقابة على الصحافة.
وتلتزم الدولة بحماية حرية الصحافة، وتضمن سبل وصول الصحافيين إلى المصادر حتى يؤدوا واجبهم في إخبار الرأي العام.
ولكن ممارسة الصحفي لحريته المهنية تتقيد ببعض القواعد الإستثنائية تنص عليها الفقرة الثانية من الفصل الخامس من الدستور، منها حماية الطفولة وحق في حماية حياته وحريته الشخصية. وهاتين القاعدتين تقيدان أيضا حرية الصحافة.
التوازن بين حماية الحياة الخاصة ومصلحة الرأي العام وحقه في الاطلاع على الحقائق. وهي قاعدة تجد مضمونها في الاستثناءات الواردة في قانون حرية المعلومات.
مرجعية المحكمة الدستورية: في تفسير الدستور ودستورية القوانين.
تقول المحكمة الدستورية أن الصحفي ملزم /واجب ايصال الحقيقة للرأي العام، لكن لا يعني ذلك أن الحقيقة أمر مجرد، بل هي معطيات يتعين اثباتها والتحقق/ التحقيق للوصول إليها، عبر شهود ووثائق وتصريحات...
واجب الحرص المهني للوصول إلى الحقيقة:
البحث الأساسي.
شمولية المعلومات، تكامل جوانبها، ويعاقب القانون على طمس أو مصادرة أحد مصادر أو الأصوات المعبرة عن الحقيقة. وكذلك مراعاة تكامل المشهد في الصورة واذا لزم الامر تقديم صور رمزية لتوضيح الصورة.
توخي الموضوعية والحيادية المناسبة في عرض الحقيقة(مثلا في حادث سير أو نزاع يتعين مراعاة سير القضاء).
البحث: ركن أساسي للوصول إلى الحقيقة
تشكل المصادر عنصرا أساسيا في عملية البحث، من أجل الوصول إلى الحقيقة. ويؤدي عدم توخي المناهج والتقنيات الصحفية الكفيلة بالوصول للحقيقة، إلى حجب الحقيقة أو جوانب منها.
ويعتبر المعني مباشرة بالقصة الإخبارية هو أول جهة مطلوب الوصول إليها وسؤالها. ويتعين التثبت من شهادات وبلاغات الشهود والمخبرون والمخبرين.
والتصريحات المستقاة من وسائل إعلام أخرى، ليست كافة للاستشهاد به كحقيقة، بل يتعين اثباتها. والادعاءات والاشاعات، مطلوب التحقق والتثبت منها.
مصادر مفضلة:
وكالات الأنباء، وسائل اعلام لها مصداقية، بيانات السلطات، جلسات المحاكمات والاحكام القضائية المفعلنة/ المفتوحة، جلسات البرلمان.
عمل الصحفي للتحقق من المعلومات عبر مصادر يقتضي مقارعة المعلومات ببعضها.
قاعدة حماية مصادر الصحفي:
تشكل قاعدة أساسية لضمان ممارسة حرية الصحافة، وهي قاعدة حيوية في الصحافة الإستقصائية بالخصوص.
ويضع قانون الاجراءات الجنائية، الشهود أمام المحاكم، قواعد تسرى على صفة المشاركة في العمل الصحفي، المكتوب والسمعي البصري، بيد أن الصحافة الالكترونية توجد صعوبة في وضع قواعد دقيقة فيها.
وقد توسع نطاق حماية مصادر الصحفي إلى مستخدمي الانترنت، وبالخصوص المدونين الذين يعدون جنسا جديدا في الصحافة الإلكترونية.
وفي القانون الألماني تعتبر حماية مصادر الصحافيين من مقتضيات حرية الصحافة، وهو نفس المنحى الذي أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي نصت على هذه القاعدة في حكم صدر لها في 23 سبتمبر 1994، واعتبرت حماية مصادر الصحفي شرطا أساسيا لحرية الصحافة. وفي 7 ديسمبر من نفس العام أصدر البرلمان الأوروبي لائحة تؤمن حماية المصادر الصحفية. وذلك بالاستناد إلى الميثاق الأوروبي لحقوق الانسان.
مجلس الصحافة الألمانية:Der Deutsche Pressrat
يتألف من الهيئات والاتحادات الصحافية. ويقوم بوظيفة مراقبة الصحافيين لأنفسهم بانفسهم لأدائهم المهني. ويعتمد المجلس على مدونة قواعد الصحافة كأداة أساسية.
Presseekodex
والمجلس لا يتوفر على أي سلطة عمومية، بل سلطة معنوية يمكنه معالجة الاشكاليات المهنية في الشكل والمحتوى الصحفي. ولكن يمكنه ايضا فرض عقوبات منصوص عليها في مدونة السلوك الصحفي، مثل التوبيخ والعقوبات المعنوية.
ولكل مواطن امكانية اللجوء لمجلس الصحافة للتظلم والشكوى من ضرر يعتقد أنه لحقه من عمل صحفي.
ويمكن للمجلس ان يقرر الالزام بعدم النشر.

