بانوراما



في حوار مع منتجة "أحفاد العبيد": التمييز ضد السود في تونس ظاهرة خفية وخطيرة

07-05-2017 10:12:29

فاز فيلم “أحفاد العبيد ”Slaves Descendents للمنتجة والإعلامية التونسية مبروكة خذير بجائزة "أحسن عمل متكامل" في مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الخامسة من مهرجان تطوان الدولي لسينما الحب والسلام الذي تختتم فعالياته الأحد 7 ماي 2017 في مدينة تطوان شمال المغرب. وكانت تونس هذه السنة دولة الضيف الرئيسي في المهرجان، ولتسليط الضوء على القضية التي يطرحها الفيلم حاور الكاتب الصحفي عبد السلام إفروان المنتجة مبروكة خذير، وتحدثت عن قصة إنتاج الفيلم وحقيقة ظاهرة التمييز ضد ذوي البشرة السوداء، وكيف تشكل "ظاهرة مخفية" وتابوه يٌضرب عليه صمت في المجتمع التونسي.

نص الحوار:

 كيف نشأت فكرة هذا الفيلم و لماذا الآن تتناول السينما التونسية هذا الموضوع ؟

* ولدت فكرة إنتاج فيلم"أحفاد العبيد" سنة 2013 حين تحركت جمعيات من المجتمع المدني تطالب بسن قوانين في الدستور الجديد تضمن حقوق من يتعرضون لممارسات عنصرية. جمعيات المجتمع المدني الحقوقية سارعت لتنظيم مسيرات في تونس تطالب بتجريم التمييز العنصري حينها تحرك بداخلي رغبة البحث في الموضوع و التثبت ان كان هناك حقا ما يستدعي هذا الدفاع المستميت على ضمان حق السود التونسيين دستوريا ضد التمييز العنصري.

وتدعمت الفكرة أكثر حين تحدثت معي المخرجة التونسية اريج السحيري من موقع انكفادا فكان البدء بالعمل .ذهبت إلى جنوب البلاد التونسية، محافظات مدنين و قابس هناك حيث يوجد عدد كبير من السود بل و يوجد تجمعات للسود في مناطق معزولة عن مواطنين بيض مثلهم .

 كانت الفكرة منذ البداية مسألة بحث ثم محاولة الغوص في الموضوع. لكن ما وجدته من حكايات و قصص جعلني ادرك أهمية الموضوع و حساسيته في الوقت نفسه فانطلقت في التصوير مباشرة. السينما التونسية تحتاج إلى تناول مثل هذه المواضيع لأننا نعيش يومي مؤلم يؤرق الكثيرين دون ان نعلم.

هل كان لأجواء ما بعد الثورة دور مؤثر في تحريك هذه القضية و قضايا مماثلة؟ وكيف؟

*الآن في تونس بعد الثورة أصبح هناك هامش كبير من الحريات، حيث انكسرت القيود و خرج السود في مظاهرات ينددون بالتمييز ومثل ما انكسرت قيودهم، فقد انكسرت قيود الاعلاميين ايضا ليصبح الحديث في مثل هذه الظواهر أمرا متاحا و ضروريا حتى نكشف ما خفي من جوانب مريرة.

هل إن ظاهرة التمييز ضد ذزب البشرة السمراء متجذرة في المجتمع رغم التكتم عليها أم أنها ظاهرة محدودة؟

 * التمييز العنصري في تونس اصبح يرقى إلى ان يكون ظاهرة تمس بأشكال مختلفة حياة جزء كبير من التونسيين، انه في بعض المناطق في الجنوب التونسي خبز السود اليومي، ففي مدن الجنوب التونسي المدو و القصبة وسيدي مخلوف تتجلى أقصى حالات التمييز العنصري. في تلك المناطق مازال السود زادا فلكلوريا يلجأ له البيض لتنظيم حفلاتهم و يسمون السود العبيد إلى يوم الناس هذا. 

 التمييز العنصري في تونس يرقى لان يكون ظاهرة ما دام في تونس مقبرة للبيض و السود وما دامت فتاة تونسية تهاجم في الشارع على الملإ ليقول لها أحدهم "تعالي أًصفّي معك الدم" اي هاجمها حتى يصبح دمه الأبيض وسلالته نقية من السود مثله.

 هناك ممارسات متكررة و هي ليست حالات معزولة انها تطفو على السطح من فترة لأخرى و يعاني منها السود من التونسيين او أوحتى الطلبة القادمون من إفريقيا جنوب الصحراء للدراسة في تونس، وبالتالي نحن هنا نتحدث عن ظاهرة وهي ظاهرة تحتاج أن نقدمها إلى الجمهور في رؤية سينمائية ثقافية لتوعية الآخرين بوطأة هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع و توازنه .

 التمييز العنصري هو أزمة مخفية مسكوت عنها و تناولها يراه البعض إثارة للفتنة و تقسيما للمجتمع التونسي وهذا ما اتهمنا به و نحن نصور الفيلم، ولكن حسبنا اننا وثقنا الظاهرة وأثبتنا ان في تونس المتعددة التي توافدت اليها كل الخضارات منذ  آلاف السنين مازال فيها من لا يُؤْمِن باختلاف اللون فينا. هناك في تونس من لا يقبل الاختلاف في اللون وهذا خطير ينم عن فقدان قيمة التسامح بين مكونات الشعب الواحد بيضا و سودا على حد السواء.

 هل كان اختيارك لقصص الفيلم يركز على منطلق درامي فني مؤثر أم توثيقي يعتمد على الشهادات و إبراز أبعاد معينة للظاهرة؟

 *أنا من المولعين بالفيلم الوثائقي وهو اكثر ما يجذبني في السينما لان الوثائقي ينقل الواقع بطريقة سينمائية جميلة و يقدمه للجمهور بشكل إبداعي يجعله أكثر أهمية. أحب الوثائقي لانه ينقل لنا مشاغل و آراء و مواقف تلامس عمق الانسان فينا.

إلى أي حد تغيرت طبيعة مواضيع الأفلام التونسية في الفترة الأخيرة بحكم أجواء الحرية؟

* السينما التونسية تحتاج إلى تناول مثل هذه المواضيع لاننا نعيش حياة يومية مؤلمة تؤرق الكثيرين دون ان نعلم. نحن نحتاج في الوقت الراهن ان نتناول بأسلوب توثيقي سينمائي هذه المواضيع لانها مواضيع إنسانية تتعلق بجزء كبير من مجتمعنا. 

 هل يتسبب طرح قضايا مجتمعية تمس تابوهات في المجتمع، في مشاكل معينة للمخرج أو المنتج؟

*بالنسبة المعوقات التي واجهتنا ليست كثيرة، كن المثير أن المشكل اننا طردنا و هوجمنا من قبل بعض السود ممن يَرَوْن اننا بتناولنا لهذا الموضوع نثير الفتنة و التقسيم وان الأولوية في تونس ليست لمثل هذه المواضيع في بلد يعاني فيه التونسيون من نقص التنمية و الفقر و التهميش و الخصاصة سيما في المدن التي صورنا فيها جنوب البلاد التونسية.

اعتقد اننا انجزنا مهمتنا حين حاولنا بالإمكانيات البسيطة في ظل غياب الدعم ان نطرح قضية مثل هذه. من إمكانياتي الخاصة مولت الفيلم وهي إمكانيات بسيطة لو كانت متوفرة أكثر من ما توفر لي لكنت أنتجت أفلام أاخرى عن عديد القضايا التي تزخر بها تونس اليوم وهي قضايا بقيت مغيبة في ظل التضييق في العهد السابق، ويجب أن نستفيد اليوم من هامش الحريات المتوفر لتسليط الضوء عليها بطريقة  سينمائية توثيقية تجلب إليها الجمهور المتلقي. 

 ما هي البدائل أو الآفاق التي يطرحها الفيلم لهذه الفئة التي تعاني التمييز؟ خصوصا أنك تحدثت في الفيلم عن تمييز عبر القوانين و الممارسات الإدارية و مؤسسات الدولة ؟

*بالنسبة للبدائل أظن اننا نحن الاعلاميون أو كذلك المخرجين لا يطلب منا تقديم البدائل نحن مهمتنا أولا و قبل كل شيء التوثيق و إيصال أصوات هؤلاء المقهورين المنسيين الذين يعانون في صمت. مهمتنا ليست طرح البديل بل الإشارة إلى ما يحصل وتقديمه للآخرين في قالب رؤية فنية حتى يدركوا فظاعة الظاهرة ليقفوا بأنفسهم على معاناة الآخرين من السود الذين هم بشر مثلهم.

 

أجرى الحوار عبد السلام إفروان

https://www.facebook.com/mediamagde/videos/1831087537210554/


Copyright © 2024 MAGDE / All rights reserved.